الري في الزراعة
الري الزراعي agricultural irrigtion عامل أساسي وفاعل في نمو المزروعات، وزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين نوعيته، ويتطلب حكمًا تقدير الاحتياجات المائية اللازمة للنباتات وتوزيعها بالطرائق الملائمة في الحقول الزراعية في الوقت المناسب لنمو النباتات، وطبيعة المناخ ونوع التربة، بغية الحصول على أعلى مردود ممكن وأفضل نوعية من الإنتاج بأقل كمية من المياه المناسبة.
لمحة تاريخية
احتل الري الزراعي مركزًا مرموقًا منذ قديم الزمن وقد بدأ الاهتمام به تاريخيًا منذ ظهور الحضارات الأولى واستمرارها في المناطق التي توافرت فيها المصادر المائية وحسن فيها استخدامها. وقد أدرك الإنسان منذ زمن بعيد جدًا أهمية سقاية المحاصيل بالماء، وعرف أن النبات لا يبلغ كمال نموه من دون الماء. ويعد تاريخ الري وتطوره شاهدًا على ذلك انطلاقًا من العصور القديمة بالمشروعات الضخمة في الصين والهند ومشروعات الآشوريين والفرس منذ أكثر من 4000سنة، وثم مشروعات الري العربية في كل من مصر وبلاد الشام واليمن وغرناطة والأندلس.
عرفت مشروعات الري في وادي النيل منذ أكثر من 5000سنة، فاستخدم المصريون طرائق عدة للري كالقناطر والري الحوضي وغيرها، وأقاموا السدود العديدة وأحدثها السد العالي في أسوان. وتعد مرحلة حمورابي للتشريعات الهندسية في مجال تنظيم الري، نموذجًا لاستثمار مشروعات الري. وازدهرت مشروعات الري بالقنوات في بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات وضخًّا من حوض الفرات، واستخدم السوريون النواعير لرفع مياه نهر العاصي وأقاموا السدود في العشارنة والغاب والرستن، وعلى نهر الفرات والخابور والأعوج والسن واليرموك وغيرها.
ظهرت مشروعات الري الكبيرة في منتصف القرن التاسع عشر في مصر والهند وشمالي إيطاليا والباكستان والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. وأنشئ العديد من أقنية الري في شمالي أفريقيا لنقل المياه من قرطاجة إلى المناطق الصحراوية لريها. ويعتقد بأن العرب كانوا على معرفة محقة بالهدروليك وبهندسة شبكات الري التي خلفوها في غرناطة والأندلس. وكان القرآن الكريم في العصر الإسلامي مصدر التشريع المائي ومن آياته: )وجعلنا من الماء كل شيء حي( (الأنبياء30) )ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر( (القمر28). وثمة آيات كثيرة تخص ملكية المياه ومنشآتها واستعمالاتها وحمايتها وضريبتها. وفي مرحلة الانتداب الفرنسي لسورية عدّت مصادر المياه من الأملاك العامة، وأما في المرحلة المعاصرة ومنذ عام 1946 وحتى اليوم فقد شهدت سورية تطورًا محسوسًا في علوم المياه واستثمارها وخاصة الجوفية منها، وصدرت تشريعات كثيرة للحفاظ على الثروة المائية وتطويرها ولتكون منسجمة مع المتطلبات الاستهلاكية المختلفة.
الأهمية الاقتصادية للري في الوطن العربي
يستعمل الري في الأقاليم الصحراوية، وأقاليم الأمطار الموسمية، الجافة ونصف الجافة، في أثناء أشهر الجفاف، وفي الأقاليم الرطبة وشبه الرطبة في أثناء الفترات الطارئة للجفاف.
تشير الإحصاءات في الوطن العربي إلى التزايد المستمر في عدد سكانه، وتبدو الحاجة ملحة جدًا إلى زيادة مصادر تغذيتهم، وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، ويعد الإنتاج الزراعي الأساس الذي يشكل الري فيه العمود الفقري والوسيلة الفاعلة للتوسعين الأفقي والعمودي في الزراعة. وتستمر مشروعات الري بالتزايد عددًا وضخامة، ويندر أن يخلو مخطط تنموي لقطر عربي معين من مشروعات كبيرة للري والصرف أينما يمكن الحصول على مياه الري فيه من الأنهار أو البحيرات أو السدود أو الآبار أو الجداول وغيرها.
وفي سورية تعدّ مشروعات الري المرتكز الأساسي والأهم في خطوات التنمية الاقتصادية والتخطيط السليم والدقيق للاستثمارات والموازنات الإنمائية المختلفة. وقد بلغت فيها المساحات المروية في عام 2003 نحو 1350.000هكتار، أما نصيب الفرد من المساحة المروية فيبدو أنه شبه ثابت إذ راوح بين 0.072 هكتار في عام 1970 و0.076 هكتار في عام 2003، قياسًا بالزيادة السكانية من 6.305مليون إلى 17.682مليون نسمة في العامين المذكورين آنفًا. وهذا ما يدعو بالضرورة إلى إعادة النظر في الخطط الإنمائية الموضوعة بغية زيادة نصيب الفرد الواحد من الماء في سورية وذلك بالعمل على زيادة رقعة الأراضي الزراعية المروية بمساعدة التقدم التقني لأساليب استصلاح الأراضي، والبحث عن المصادر المائية وجرها إلى الحقول الزراعية باستخدام التقانات الحديثة للري وشبكاته الهندسية الحديثة، وتحديث مشروعات الري القديمة بغية تحسين أدائها وتمكينها من توفير المياه اللازمة لسقاية المساحات الإضافية المقدّرة بنحو 218 ألف هكتار في عام 2003، والتي يروى معظمها من مصادر المياه الجوفية.
المقننات المائية للبساتين والمحاصيل الزراعية المختلفة
أدى التوسع في الزراعات المروية في سورية إلى استعمال كميات كبيرة من المياه الجوفية، مما أثار اهتمام الباحثين من أجل وضع الضوابط اللازمة لإيقاف استنزافها ومن أهم هذه الضوابط:
1ـ تحديد المساحات الممكن ريها في ضوء المصادر المتاحة والمتجددة.
2ـ تحديد الزراعات الأقل احتياجًا للمياه.
3ـ تطوير مشروعات الري باستخدام الطرائق الحديثة للري.
4ـ إشراف الدولة على المشروعات المختلفة للري ودراسة جدواها الفنية الاقتصادية والاجتماعية بدقة تامة.
وقد قامت وزارتا الزراعة والري بحساب المقننات المائية للأشجار والمحاصيل والخضار في مناطق مختلفة في سورية باستخدام الطرائق التقليدية والحديثة وحساب معدل التبخر ـ النتح الأعظمي evapo-transpiration maximum (ETM) من سطح مائي حر أو من مسطح أخضر، بغية حساب معدل الاستهلاك المائي في شروط مناخية معينة، وبتقدير قيم معامل استهلاك المحصول التجريبي للماء بتجارب حقلية واستخدام الصيغة المعدلة لبلاني ـ كريدل Blaney- Criddle التي يحسب فيها: متوسط التبخر ـ النتح الكامن الأمثل ملم/ اليوم evapo-transpiration optimum، ويعبّر عنه بالأمتار المكعبة /هكتار. أو بوحدة اللتر في الثانية/ هكتار، وهو يساوي المقنن المائي مضافًا إليه المفقود.
وعلى سبيل المثال يقدر المقنن المائي (بالليتر/ ثانية/ هكتار):
للحمضيات والأعشاب نحو 0.6ل، والزيتون نحو 0.4ل، والبطاطا أو البندورة نحو 0.7ل، والقمح نحو 0.35ل، والأشجار المثمرة الأخرى بين 0.6 و0.9ل في طور إثمارها المليء.
وتصنف صلاحية مياه الري بحسب ناقليتها الكهربائية (electric conduction (EC في أربع مجموعات:
ـ مياه قليلة الملوحة ¨ EC أقل من 250 ميكروموز/سم، صالحة لجميع النباتات
ـ مياه متوسطة الملوحة ¨ EC بين 205ـ750 ميكروموز/سم صالحة للنباتات المتوسطة التحمل للملوحة
ـ مياه عالية الملوحة ¨ EC بين 750ـ2250 ميكروموز/سم صالحة للنباتات المقاومة للملوحة.
ـ مياه عالية الملوحة جدًا ¨ EC أعلى من 2250 ميكروموز/سم غير صالحة للري ولابد من استصلاحها بالطرائق المناسبة.
وتتأثر صلاحية المياه بنوع التربة والنبات ومرحلة نموه وبطبيعة المناخ وتقنيات الري.
ترشيد استخدام المياه في سورية
تبلغ نسبة استهلاك المياه في مجال الري الزراعي فيها نحو 86% من مجمل المصادر المائية المتاحة، ولأن الموارد المائية محدودة في سورية فمن الضروري دراسة ترشيد استخدام المياه فيها، وقد أمكن اتخاذ عدد من الإجراءات في قطاع الري وشبكاته، من أهمها:
ـ التوسع باستخدام الشبكات المغطاة للري وتحديث القديمة المكشوفة التي تقل كفاءتها عن 60% وتحويلها إلى الطرائق الحديثة للري.
الشكل (1) الري بالمساكب العادية (التطويف)
| ||||||
الشكل (3) الري بالحواجز الكنتورية
الشكل (4) الري بالخنادق الكنتورية
| ||||||
ـ تحديد الاحتياج المائي الفعلي واللازم للمحاصيل الزراعية المختلفة ومواعيد السقاية.
ـ تعديل الدورات الزراعية بمحاصيل اقتصادية أقل احتياجًا إلى لماء بالمحاصيل الشرهه للمياه.
ـ جمع المياه بطرائق عدة منها:
أ ـ إقامة السدود في الوديان وخاصة في المناطق التي ينحصر هطلها المطري في فصل الشتاء. وقد بلغ عدد السدود المقامة نحو 157 سدًا بنهاية عام 2003 وحجمها التخزيني نحو 18675.77 مليون متر مكعب، وقدرت المساحة التي يمكن ريها منها في عام 2001 (نحو 396000 هكتار).
الشكل (5) الري بالخطوط (بالأثلام) السوية
|
الشكل (6)الري بالخطوط الكنتورية
|
الشكل (7) الري بالسطور المموجة
|
ب ـ إقامة الحفر (الحفائر) التخزينية في الحيزات على جوانب الوديان وفي أسفلها لتخزين مياه الجريان بعد الهطل المطري، وقد بلغ عددها نحو 94حفرة بطاقة تخزينية مائية تبلغ نحو 11مليون م3، تستخدم في ري الزراعات الرعوية.
ـ الري السطحي: تختلف نظم الري السطحي بحسب ميل الأراضي وخصائصها الفيزيائية والكيماوية وكفاية المصدر المائي والمزروعات وغيرها. وتتبع في هذه النظم الطرائق الآتية:
أ ـ الري بالشرائح (المساكب) في الأراضي التي يراوح ميلها بين 0.1 و5% للمراعي وبين 0.3 و2% للمحاصيل (الشكلـ1).
ب ـ الري بالغمر (التطويف والانسياب) (الشكل ـ2) يستخدم في الأراضي الخفيفة الميل بنحو 10% أو أقل.
ج ـ الري بالحواجز الالتفافية (الكونتورية) في الأراضي الشديدة الانحدار بين 6و12% (الشكلان 3 و4).
د ـ الري بالخطوط (بالأثلام) (الشكل ـ5) لري الخضار والأشجار المثمرة.
هـ ـ الري بالخطوط الالتفافية (الشكل ـ6)
و ـ والري بالسطور السطحية المموجة في الأراضي التي يبلغ ميلها نحو 15% فأقل (الشكل ـ7).
ز ـ شبكة الري السطحي المحسن، توزع المياه في أنابيب ممدودة في الحقل المزروع بغية خفض الفاقد المائي. يمكن إضافة المخصبات في خزانات الضخ وتصفية مياهها من الشوائب. وتعمل هذه الشبكة آليًا بوساطة تجهيزات إلكترونية وتنظم عملية الري بمقاييس الرطوبة الأرضية tensiometer التي تحدد حاجة التربة للمياه بحسب نسبة الرطوبة المطلوبة للنباتات.
الشكل (8) الري بالتنقيط الموضعي
|
نظم الشبكات الحديثة للري ومجالات تطبيقها
وتشتمل على الري بالتننقيط، والري الرذاذي، والري السطحي، وبالرشح والري التكميلي.
الشكل (9) مخطط لطريقة الري بالتنقيط في حديقة الفاكهة
|
ـ الري بالتنقيط (أو الموضعي): يحافظ هذا النظام على رطوبة دائمة حول الجذور بنحو 80% من السعة الحقلية في حجم معين من التربة بتأثير قوى الثقالة والامتصاص، وبتطبيق ريات متكررة بالنقاطات (الشكل ـ8). يستعمل اليوم في ري بساتين الفاكهة والخضار والدفيئات بوساطة نقاطات متخصصة يراوح تصريفها المائي بين 2 و12ل/ساعة ومن أهم ميزاته:
ـ التحكم الآلي بالري ومواعيده باستخدام مقياس الرطوبة الإلكتروني، وتوفير ما يزيد على 60% من المياه المستعملة في الطرائق التقليدية (الشكل ـ9)، إضافة إلى خفض الفاقد المائي بالتبخر والتسرب العميق في الترب المختلفة. إمكان إضافة المخصبات عبر شبكة الري ومن دون هدر، والحد من انتشار الأعشاب وعدم الحاجة إلى تسوية الأراضي.
وتتألف شبكة هذا الري من مجموعة لضخ المياه في أنابيب التوزيع الرئيسة والثانوية والنقاطات أو عبر فتحات بسيطة في جدار أنابيب وذلك من خزان للمياه وجهاز ترشيح وآخر لحقن المخصبات اللازمة. ويراوح الضغط الجوي في الشبكة بين 1و4 جو بحسب حجمها.
ـ الري الرذاذي: تروى المزروعات المختلفة والمروج بتوزيع منتظم ورذاذي للماء بما يماثل الهطل المطري الطبيعي، وبكثافة رش بين 2.5 و 6.5مم/سا ومن دون ضياع مساحات للقنوات والسواقي، إضافة إلى خفض تكلفة اليد العاملة (الشكل ـ10).
الشكل (10) الري الرذاذي بالرش الثابت
|
الشكل (11) الري بالرش المحوري على عجلات
|
الشكل (12) الري بالرش الجبهي على عجلات
|
الشكل (13) أنابيب الري يالتنقيط السطحي أو بالرشح المائي تحت سطح التربة
|
ويمكن استخدام هذه الطريقة في مكافحة الصقيع، والتخفيف من أضرار ارتفاع الحرارة صيفًا، وفي تلطيف الجو، وكذلك في التسميد الورقي ومكافحة الحشرات والأمراض الفطرية والفيزيولوجية. وتشتمل شبكة الري على مصدر مائي (نهر أو بحيرة أو سد أو بئر وغيرها) ومضخة دواره ومن أنابيب رئيسية وثانوية لتوزيع المياه، ومن قاذفات ثابتة أو متحركة تعمل من دون انسياب الماء على سطح التربة. تستخدم اليوم مجموعة حديثة لشبكات الري رشًا حيث تكون المضخة والأنابيب الرئيسية ثابتة، والمرشات متحركة وتشتمل على الري بالرش الثابت والمحوري والجبهي على عجلات (الأشكال 10 و11 و12).
الري تحت سطح التربة (أو بالرشح)
يفيد هذا النظام في تقليل التبخر والحد من نمو الأعشاب ومن تطاير الأسمدة الذوابة وخاصة الآزوتية. وفي خفض كلفة اليد العاملة. تروى الأرض آليًا وعلى نحو مستمر بالخاصة الشعرية من شبكة خطوط القنوات البيتونية أو الفخارية، أو من مواسير لدائنية مساميه أو غير مساميه مثقبة وممدودة على عمق 40 ـ 45سم، وعلى مسافة 5ـ6م فيما بينها، ويخرج الماء منها تحت ضغط معين ويتوزع داخل التربة إلى جوار الجذور (الشكل ـ13).
الري التكميلي
تروى الأرض بريات محددة بحسب مراحل نمو النباتات المختلفة لتلبية الاحتياج المائي للنباتات الناتج من العجز الحاصل ما بين الاحتياج المائي الفعلي لها والهطل المطري. ويعد هذا النظام استراتيجية جديدة لاستعمال المصادر المائية المختلفة وفق أسس ومعايير علمية دقيقة في المناطق الجافة وشبه الجافة التي يعتمد ريها على الأمطار، كما تتصف بسوء التوزيع الزمني والكمي للهطل المطري السنوي فيها. وتعمل وزارتا الزراعة والإصلاح الزراعي والري في سورية جاهدة على حصاد المياه أينما توافرت الإمكانية لتغذية شبكات الري التكميلي، وخفض الفواقد المائية في أثناء نقل المياه إلى الحقول الزراعية المروية. وعلى ضرورة اتباع طريقة الري بالتنقيط السطحي وبالرشح تحت التربة، بغية رفع مردود شبكات الري إلى نسبة 95% وأكثر، إضافة إلى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالجة كيمياويًا في الري الزراعي
هشام قطنا، إحسان أغواني
الموضوعات ذات الصلة: |
التسميد ـ التربة ـ التربة (أحياء ـ).
مراجع للاستزادة: |
ـ بشار إبراهيم، عبد الله يعقوب، الري والصرف الزراعي (جامعة دمشق 2000).
ـ هشام قطنا، ثمار الفاكهة، إنتاجها (جامعة دمشق 1978).
ـ أحمد ناجي زين العابدين، أدهم السفاف، الري الزراعي (جامعة حلب 1982).
ـ إحسان الأغواني، أهمية تقنيات الري الحديثة (منشورات وزارة الري 5991).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق